Image Not Found

النمو السكاني وحماية البيئة

د. حيدر اللواتي – لوسيل القطرية

يتوقع العالم أن يصل تعداد سكان الأرض بحلول عام 2050 إلى 9 مليارات نسمة، وأن يستمر الناس في العيش مع الأنماط الحالية للتنمية. كما من المتوقع أن يرتفع نصيب الفرد من استخدام الموارد الطبيعية بنسبة 70%، الأمر الذي سوف يدفع الناس والحكومات والمنظمات الدولية إلى العمل على إيجاد وانتهاج سياسات ونظم بديلة ناجعة اقتصاديا، ومتوازنة اجتماعيا ومستدامة بيئيا. ويبيّن العلماء والباحثون في هذا الشأن أن أكبر التحديات التي تواجه الاستدامة اليوم هي قدرة الشعوب والحكومات على تحقيق الأهداف الأيكولوجية والاقتصادية والاجتماعية في آن واحد.

وهذا ما تم التأكيد عليه في المنتدى البيئي الذي عقد بمسقط مؤخرا بحضور عدد من المسؤولين في المنظمات البيئية العالمية لمناقشة التحديات المقبلة في هذا القطاع المتنوع. ويشير المهندس محمد كفافي رئيس المجلس العالمي للاقتصاد الأخضر إلى أنه مع تزايد المخاطر البيئية والمجتمعية، فإن العالم لا يهتم بالمفاهيم القديمة للبيئة، وإنما يعتمد صياغة مفاهيم اقتصادية «جديدة» (الاقتصاد الأخضر) من أجل تصحيح الاختلالات البيئية والمجتمعية، مشيرا إلى أن حجم الاستثمار الأخضر العالمي تجاوز اليوم حاجز 21 تريليون دولار وبنمو بلغ 50%، خلال السنوات الثلاث الأخيرة فقط. ومن شأن هذه الاستثمارات الكبيرة أن تعمل على تعزيز كفاءة استخدام الموارد، وخفض الملوثات ومنع تدهور النظام الإيكولوجي، سعيا لتحقيق التكامل والتوازن بين الأبعاد الأربعة للتنمية المستدامة، وهي الأبعاد البيئية والاجتماعية والاقتصادية والتقنية أو الإدارية. والتساؤل المطروح هو مدى قدرة البلدان العربية على التعامل مع أساليب «الاقتصاد الأخضر»، خاصة وأن هذه الدول تمتلك إمكانات هائلة، ويمكنها اقتناص فرص التوجه العالمي تجاه التعامل والتفاعل مع هذا الاقتصاد الجديد.

لقد ساهم الازدياد المتسارع في الدول العربية بين السكان والهجرة الداخلية إلى المدن خلال العقود الماضية، بجانب التوسع العمراني ودعم أسعار السلع والخدمات في زيادة الطلب على الطاقة والغذاء والمياه والموارد الطبيعية الأخرى المعرضة للنضوب في المنطقة. فالدول العربية تستهلك أكثر من ضعف كمية الموارد التي يمكن لأنظمتها الطبيعية إعادة إنتاجها، الأمر الذي يشكّل تحديا على مستوى التنمية العربية، بينما ترتفع معدلات البطالة ليصل متوسطها إلى 13% تقريبا. أما معدل التكلفة السنوية للتدهور البيئي في البلدان العربية فيقدّر بنحو 150 مليار دولار، أي ما يعادل 9% من مجموع ناتجها المحلي الإجمالي عام 2018.

الخبير كفافي يرى ضرورة تأمين قرابة 50 مليون وظيفة عربياً بحلول 2020 في ظل غياب الاستفادة من تراكم رأس المال البشري، وانعدام الربط بين رأس المال البشري والنمو الاقتصادي لمواجهة التحديات المقبلة، مؤكداً أنّ المنطقة العربية تسجل أعلى نسبة نمو سكاني عالمياً، ومن المتوقع أن يصل مجموع السكان فيها إلى 586 مليون نسمة بحلول عام 2050، ما يمثل 6% من سكان الأرض. وهذه الزيادة بدورها قد تؤدي إلى تزايد الضغط على البيئة ومكوناتها وبالتالي انعدام الأمن الغذائي وندرة المياه، وغيرها. ومن هذا المنطلق فلم يعد هناك خيار للدول العربية سوى ضرورة تحّول اقتصاداتها إلى الاقتصاد الأخضر وتهيئة الحكومات لبيئة عمل أفضل، وتعزيز النشاطات الاقتصادية ذات القيمة المضافة، مما قد يؤدي إلى زيادة فرص العمل والحدّ من البطالة مع الاستمرار في حماية البيئة.